عين على التراث

كلابنا المهجنة


الكثير من الحيوانات رافقت الإنسان وبعضها أصبحت داجنة، وصارت بينهما ألفة المكان ذاته،
وتأثروا بعاداتهم وأوصافهم بعضهم البعض حتى باتوا يوسمون بالمواصفات ذاتها، بينما راح
الإنسان القوي يصف نفسه بأنه الأسد أو النمر أو الدب، والوفي لا يمكن أن نسميه بأنه
كلب؟! رغم أن الكل يعرف بأن الأسد…الخ. يدخل تحت تسمية الحيوان، وهذا لا يغضب
أحداً. هذا الاحترام للحيوانات المفترسة يجعلنا نفهم أن الإنسان لم يعتد بعقله أبداً، دائم
التطلع إلى أن يسلب حق الآخرين، والأنكى من ذلك عندما نقول له أنك تعمل وفق قانون
الغاب فيتجهم وجهه لأنه لا يستطيع أن يكون وفياً وفق مواصفات الكلاب التي اشتهر بها،
وهذه الصفة لم ترأف به من قبل الإنسان! مع العلم أن الكل يعود إلى أصله! إلا الإنسان لا
يأبه بما هو فيه!؟. ومن هنا لا يمكن للإنسان أن يكون وفياً أبداً، وعلى كافة المستويات.
لكنه تعلم من الكلب وهو أمر ضروري يتوافق مع الصفة الجوهرية المشتركة بين كافة

الحيوانات سواء أكانت داجنة أو وحشية، وهي سيلان لعاب الإنسان حتى على رائحة الروث
والفضلات.
هناك عقد شفهي ضمني بين الكلب والإنسان تماما كما هو بين الحكومات وشعوبها
مفاده:
أن يقوم الأول بتقديم الحراسة ويقدم خدمات يعجز الثاني عن تلبيتها، فعندما ينبح الكلب
يشعرك بأنه على رأس عمله وأنه في مأمن وعليه أن يراقب وينتبه! فنباحه له وظيفتان
الأولى: يبعد الخوف عن نفسه وهو أمر مهم أن تشعر بالأمن، والثانية: هي التأمين عليه
من المجتمع، فالحيوان بغريزته يتصرف بشكل لائق! كونه يعيش خادماً على أبواب الآخرين
ويعاني عبودية مذلة، عيونه تفضحه! فجسد العبد ملك سيده وما عقله إلا لتنفيذ أوامره،
وحيث أن العبد يتقن فن المجاملة وهو أمر يهدم الذوق العام للمجتمع كون المجاملة هي
تبخس الحقيقة وتجعلها تافهة إلى أبعد الحدود، ويحكى أنه سمع أنتيستنيس يقول: (
أفضّل أن يلقى بي بين الغربان على أن يلقى بي بين المجاملين. فالغربان تأكل لحم
الموتى، أما المجاملون فيأكلون لحم الأحياء).
هذا فكل جبان بالضرورة يجب أن يكون وفياً، عليه أن يحرس نقاط الضعف التي تعاني منها
الجهة المقابلة، من جهة عدم الإكتراث أو عندما يسهو الكلب عليه أن يملىء هذا الفراغ،
فهو قد تقاعس عن عمله لكي يبقى أمام دار سيده، عليه بالتداهن ويزيد نباحه قليلاً هو
عمل مدفوع الثمن منذ زمن طويل وليس نتاج اليوم أو الغد.
عدا أن الكلب هو تابع ذليل يعرف ما يملك من المواصفات عن طريق غرائزه. إنه يعمل من
أجل مبدأين: الأول هو حمايته من المجتمع، والثاني كونه جبان رعديد، بهذا جعل من نفسه
عبداً حقيقياً وتنطبق عليه نفس جدلية السيد والعبد.
ونقرأ في قاموس المعاني عن:
(كِلبَ في الشيء: طمع فيه. كَلِبَ عليه: ألح عليه. سائل كلبٌ: مُلحّ في الطلب.
ويأتي بمعنى أكل كثيراً ولم يشبع). كل المعاني التي قرأناها ترادف معنى واحد دون غيره!
هو إصرار الكلب على نباحه وهو يعرف أن عمله بدون النباح لا معنى له. ورغم ذلك فهو
مستمر ولم ينله أي تعب! هناك بعض الكلاب مصابة بداء الكلْب فهي تعضك دون أن تنبح!
إذا فكل نباح بمثابة عمل الإنسان دون أن يقدم أي جهد من شأنه أن يكون تعويضاً عن
صوته الصارخ!.
فمواصفات بعض الرجال السياسيين يدخل الباب ذاته، من حيث مداهنتهم ليست لها حدود،
ولعابهم يسيل عندما يحضر المال السياسي الذي لا يشبع نهمهم. والجبان إلى حد التخمة
بصمة الجبن على جسده واضحة، يستخدم في حواره كلمات مخنثة بحيث لا تعرفه إن كان
ذكراً أم أنثى! معزوفة صوته تشبه النباح إلى حد كبير دون معنى ولا يتضمن أي موقف
أصلاً موقفه هو نفس موقف سيده، ولا يبادر بإزعاج أحد إلا إذا سمح له سيده.
ونستنتج من هذا أن النباح هو العمل أو الجهد الذي يبذله كل من الكلب والسياسي وربما
الأديب وكل مداهن يدخل ضمن إطار هذه الصفة إذا كانت كتاباته ليلمع صفحة ولي نعمته،
طبعاً هذا العمل متاح للبشر عندما يقررون أن يصبحوا كلاباً ويستثنى من هذه القاعدة

الكلب الشارد الذي لا ينبح كونه حر وليس عبداً وهو يضع عمله الإنساني في خدمة
سيده.
من أجل أن يعود الإنسان إلى إنسانيته المفقودة التي تركها خلفه منذ مئات أو آلاف
السنين، ليكف عن جرائمه، لهذا ابتكر المفاهيم الأخلاقية والفلسفية وحقوق الإنسان ولكن
جعل من الثقافة ستاراً كي يشبع نهمه ويبدأ جرائمه بطريقة حضارية. حيث أنه يعزف على
أوتار العلم، ويجعل من هذه المواضيع غذاء روحياً لسيده.
….
توصيف العالم
من شعر جونسون الفوضوي الغير مرتب والغير قابل للتمشيط أبداً! إلى تي- شيرت الرئيس
الأوكراني، إلى زلة لسان العجوز الأمريكي بايدن! والتي صححتها له تمتمة نائبته كامالا
التي كانت تجلس وراءه مباشرة، رغم فارق السن بين الشعبين الايراني والأوكراني!، غالباً
ما تكون تلك عادة الأمريكيين الذين يبحثون عن المشاكل الخارجية لتفادي مشاكلهم
الداخلية، وحيث أن بايدن كأنه يعمل صحافياً لدى الكرملين ، فهو يدفع الكل إلى حتفه إلا
قاعدة مصالحه القومية مقدسة وغير قابلة للمس، وما تبقى خردة بالية لا قيمة لها. ويعرف
الجميع أن الخميني جاء على بساط الريح الغربي من فرنسا بأمر وبدعم منها، إلى
سويسرا وهولندا اللتين قدمتا للأوكرانيين أدوات الانتحار، وما يزال اليابانيون يعانون من
القنابل الذرية الأمريكية التي هطلت على ناغازاكي وهيروشيما اليابانيتين كعناقيد عنب،
واللتان تدفعان الثمن إلى هذه اللحظة، إلى ليندا جرينفيلد مندوبة أمريكا إضافة إلى لونها
الأفريقي والتي لا تدري هي وأمثالها أنها ضحية العنصرية في أوروبا فما بالك بأمريكا، التي
تبيع الأخلاق إلى فاسيلي نيبينزيا مندوب روسيا، الابتسامة لا تعرف وجهه منذ عشر
سنوات، حتى الروس يفكرون بأنها باتت جزء من الدبلوماسية!!، إلى بكاء المندوب
الأوكراني، وارتمى بحضن المسيح، فهو قد تناسى بأن المسيح قد خاطب أمه قائلاً:
ياامرأة.. هذا الجلد يضيق عليّ!. رغم أن هنري كيسنجر قد حذر من هذه المشكلة منذ
سبع سنوات ونيف!. إلا أن الكلمة التي ألقاها بوتين جعلت من أوكرانيا عاهرة لأنها سوف
ترفع ليتها سواء أرادت أو لم ترد، إلى تصريح رئيس الوزراء الروماني الذي فتح باب الاكتئاب
العنصري على مصراعيه، أعتقد أن من يشتغل في حقل الثقافة يعرف جيداً بأهمية مركزية
الفكر الأوروبي، كمنطقة مقدسة ممنوع الإقتراب منها أو تصويرها! هنا تبدأ حدود أوروبا، لو
يعرف بايدن بأن هناك من يعارض بلده لما أخذته غفوة نوم في بعض الاجتماعات الغير مهمة
له، وإنما أهميتها تعود للطرف الآخر، إلى الرئيس الفرنسي الذي أكل كفاً من مواطنه
الفرنسي، إلى البرلمان الإسباني الذي عانى من العرب ما عاناه، أعتقد أن له الحق في
توصيف المشكلة كما يبدو له، لأنه سيأخذ بثأر أجداده على أقل تقدير!. والباقي ربما هم
على شكل العقد اللمفاوية الخاصة بعالم السياسة، يظهر لك على أنهم متفقين على
سيرة العرب في اسبانيا وبلغاريا ويوغوسلافيا سابقاً. أعتقد أن الفكر يبقى هشاً ضعيفاً
تافهاً أمام امبراطورية المال والعنجهية!.
العالم الثقافي عالم لانهائي لا حدود لجشعه فهو يريد أن يستوطن ويحتل كل العالم،

يشمل الكل والكل تحت سيطرته! كل الدكتاتوريات عبر التاريخ تريد احتلال العالم عن طريق
استعمال القوة المفرطة ودون رأفة، والثقافة تبقى آخر هم أي دكتاتور في العالم! أما
الطريقة المثلى هي إزالة الثقافة عن بكرة أبيها، أغلب الدكتاتوريات تنحو بهذا النحو والاتجاه
أو يقومون بتسطيح الفكرة كي يكون مفهوماً حتى للدكتاتور الغبي، بحيث لم يبق للمثقف
مكاناً يأوي إليه لهذا قيل أن الفلسفة لا تقوم في أرض لا تعرف التحرير وتعاني من القمع
والفساد، والحكم الشمولي من الدكتاتوريات والأوليغارشيات.
هنا الفرق ينتفي بين كل الدول طالما هدف الكل هو اسكات العالم عن طريق القوة، هذا
أكبر تهديد للديمقراطيات الغربية التي يتبجحون بها طيلة قرن كامل، لأنهم يملكون العقل،
برهنت روسيا للعالم الأوروبي أن أمريكا هي بالأصل تهديد لأي حكم ديمقراطي! منذ أن
قامت بقتل الزنوج، إلى ناغازاكي وهيروشيما، كجرائم يحاسب عليها القانون الدولي!.
فقامت أمريكا بإنشاء محاكم نورنبرغ للحكام الألمان النازييين وهو حق طبيعي جداً كي
يحاكم المجرمين على أفعالهم، ولكنها نست أو تناست جريمتها، أساساً لولا القوة وافتعال
المشاكل لا وجود لأمريكا على وجه الأرض رغم أنها أعطت فلاسفة ولغويون وروائيين وعلماء
نفس لا بأس بهم، وساهمت في الثقافة العالمية، لكن حكوماتها جعلت من تلك الإسهامات
كأنها لم تكن! واليوم تقوم بإقناع أوروبا بأن الروس هم أكبر تهديد لهم، فهرع كل العالم
الأوروبي إلى التلويح بعصا أمريكا في وجه الروس متناسين أنها تقع في قلب أوروبا، وليس
لها وجود! رغم استحواذها على ترسانة نووية تستطيع أن تخرج كوكبنا عن مساره، لم
يسأل الأوروبين أنفسهم كقارة عجوز في الفلسفة والوعي الإنساني، لم تصغ إلى معاناة
روسيا كقوة عالمية وهي أوروبية لها مصالحها أسوة بأمريكا وتركيا اللتان تزعمان بأن أمننا
القومي في خطر!، وكيف تناسى الأوروبيين أن يفكروا بقوة خارجية تحميها من قوتها
الداخلية؟! لا أعتقد أن رئيس أي دولة يعاني من مرض ما؟ لقد برهن التاريخ أن كل رؤوساء
العالم كانوا أصحاء لجهة مصالح شعوبهم الاقتصادية.
من هنا أعتقد أن العالم لن يبقى نفسه بعد هذه الحرب! وأن أوروبا ملزمة بإجراء نقد ذاتي
بناء لجميع سياساتها ومواقفها الداخلية كبلد وكإتحاد الأوروبي، وكذلك مواقفها من العالم
وخاصة أمريكا، اليوم أوروبا أضعف حلقة في العالم نتيجة صمتها أمام سياسة أمريكا، فمن
المعقول جداً ليست لها مصالح اقتصادية فردية على أمريكا أن ترمي حصتها على بابها
وتمضي، والأمريكيون ليسوا كذلك أبداً، فيمكن القول أن أوروبا تموت بأقساط.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
arenfrdeku